
عبد الله منيني : الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هزيمة أم انكفاء
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، هزيمة أم انكفاء؟
من البديهي القول، إن الإجابة على هذا السؤال لا بد أن تنطلق من مسار السياسيات الأمريكية في منطقتنا والعالم، ونتائج تلك المسارات على الأمن والسلم الدوليين، وحري بنا أن نناقش هذه المسألة خارج الصندوق الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية كأساس للتفكير في كل ما يتعلق بها، الصندوق الذي يجعل من أمريكا القوة العظمى ومهد الديمقراطية والدولة التي لا تخطئ وصاحبة السياسات الهادفة، والحليف الموثوق لأصدقائها، وحامي حمى حقوق الإنسان وغيرها من الصفات والنعوت التي فرضت القداسة والنزاهة على أمريكا مما يجعل مجرد التفكير بأخطائها أو التشكيك بسياساتها وتصرفاتها هو الخطيئة التي لا تغتفر، وجهل في السياسة وقصر نظر بالجيوبولتيك الدولي.. تلك الصورة النمطية التي تكرست عبر سنوات بدأت تتلاشى رويداً رويداً، و«غزوة الكابيتول».
جدول المحتويات :
الانسحاب الأمريكي
الاثنين 11 يناير2021 تعكس المزاج الفوضوي التخريبي للمجتمع الأمريكي حين تتاح له الفرصة لذلك، كما أن العودة، عن17 قرار تنفيذي كان قد اتخذها الرئيس الأمريكي الراحل ترامب، حيث قاد بايدن حملة تصحيح وتغيير لمعظم، الاتفاقيات التي ألغاها سلفه، بجانب تغيير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة برزت بعض معالمه. والعمل على، تجاوز الكوارث التي صنعتها الإدارة الأمريكية الجمهورية الراحلة كل ذلك وغيره يشجعنا أن ننظر إلى مستقبل الولايات، المتحدة وهزيمة مشروعها في المنطقة والبحث في ماهيته إن كان هزيمة أم انكفاء؟
حركة طالبان:
ثمة حدث بارز اليوم يظهر صورة مختلفة للويلات المتحدة الأمريكية، ويظهر تغيراً ملفتاً في سياستها، ويعكس فشلاً، في حرب خاضتها هي الأطول في تاريخنا الحديث والتي امتدت لعشرين عاماً، إذ نتابع كما العالم الانسحاب، الأمريكي من أفغانستان في مشهد لم يكن مفاجئاً عندما أعلن الرئيس الأمريكي عنه، حيث كانت الإدارة السابقة، قد مهدت لهذا الأمر وإدارة بايدن تنجزه في موعد حسب ما أعلنت لا يتجاوز الحادي عشر من سبتمبر القادم.
في اختيار رمزي لليوم الذي اختارته أمريكا منذ عشرين عاماً لحربها غير الشرعية في أفغانستان مارست فيها كل، الانتهاكات للقوانين والمواثيق الدولية، وجرائم ضد الإنسانية واعتداء مباشر على دولة ذات سيادة تحت حجة محاربة، الإرهاب والمقصود هنا حركة طالبان– ليشهد العالم اجمع بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد مفاوضات شاقة، خاضتها الإدارة الأمريكية ليس مع الحكومة الأفغانية التي دعمتها وصنعتها بل مع الحركة التي أرادت الولايات المتحدة، محاربتها وإنهائها وخاضت تلك الحرب لأجل ذلك.
موقف أميركا أمام حركة طالبان:
هي سخرية القدر ربما التي وضعت أمريكا في هذا الموقف، أن تقع أفغانستان في أيدي حركة طالبان التي حاربتها، لعقدين متتالين، وتفشل الحكومة الأفغانية في ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب، لكن الأصح في علم السياسية أن، ذلك هو نتيجة حتمية للحسابات الخاطئة التي جعلت من أمريكا تتدخل في شؤون دول ذات سيادة ليس في، أفغانستان فحسب بل قبلها العراق وسورية وكوبا وفيتنام وفنزويلا والقائمة تطول.
ثمة اختلاف في تحديد تحت أي باب يمكن تصنيف هذا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان هل هي الهزيمة كما، تقول القاعدة وطالبان أم تنفيذ لتفاهمات واتفاقيات محددة لا تضع البلاد في مهب الريح، وتجعلها في أتون حرب، حتمية، أو ترمي بها إلى غياهب المجهول.
لكن ما لا اختلاف عليه هو أن هذا الانسحاب تترتب عليه تداعيات وتحولات كبرى أبرزها تشكل نظام دولي جديد، تفرضه هذه التطورات الأخيرة، فالقرار الأمريكي احدث إرباكاً في الساحة الإقليمية والدولية وخاصة في صفوف، اللاعبين الأساسين في المسألة الأفغانية، وفي العواصم المعنية سياسياً و جغرافيا وعسكرياً واقتصادياً وأمنياً.
خطر طالبان وخسارة أميركا في أفغانستان :
فنرى ملامح بروز العقدة التاريخية الباكستانية الهندية والتي ستجد الساحة الأفغانية ساحة مناسبة لإحياء النفوذ، والصراع عليها، كما سنجد كلاً من روسيا و إيران وغيرها مضطرة للتعايش والتأقلم مع معطى جديد يؤشر إلى عودة، طالبان من جديد إلى حكم أفغانستان وما يترتب على ذلك مستنداً إلى المشكلة التاريخية لهذه الدول مع حركة، طالبان، ولن نغفل الأطماع التركية وحمى إحياء المجد العثماني التي تصيب أردوغان.
ويبقى الاحتمال الأكبر دخول أفغانستان في حرب أهلية يحولها إلى ميدان نفوذ وساحة تصفية حسابات، وتغدو نقطة، تلاقي للمجموعات الإرهابية في العالم وأهمها عودة (القاعدة) خاصة وان هذا التنظيمات ترى أن الانسحاب، الأمريكي هزيمة نكراء لأمريكا وحلفائها وانتصار لها ولمؤيدها في العالم، مما ينذر بخطر تصعيد نشاط هذه، المجموعات ليس في أفغانستان فحسب بل في العراق وسورية ونيجيريا واليمن كما والقارة الهندية بالإضافة إلى
آسيا الوسطى . فتتبدل حولها المصالح والأجندات مما يفرض استحقاقات جديدة وملحة على الساحة الدولية ونشوء، معادلات تستوجب البحث عن حلول لها قبل أن تتعقد و تتأزم.
نحن اليوم أمام كباش للمصالح سيطفو على سطح الساحة الأفغانية لاعبوه دول على تماس جيواستراتيجي منها، والأمر سيكون متعلقاً بالوضع الذي ستسفر عنه المفاوضات بين “طالبان” والحكومة الأفغانية، مع تنامي قدرة واتجاه” طالبان” للسيطرة على مساحة الأراضي الأفغانية.
الخاسر الأكبر في أفغانستان:
يقول عبدالله المنيني: “إن الخاسر الأكبر من الانسحاب الأمريكي هو الشعب الأفغاني الذي بات أمام مصير مجهول وسقطت أحلامه بالاستقرار والسلام والديمقراطية، بعد أن عاش ويلات الحرب في السنوات العشرين وما عاناه قبلاً من ممارسات “طالبان” واضطهادها للنساء ورفضها للتعليم وانتهاكها لحقوق الإنسان بالإضافة إلى جرائمها الإرهابية.”
فحركة “طالبان” سترفض نظام حكم غير متوافق مع أيديولوجيتها في أفغانستان مما سيؤدي إلى نشوب مواجهات وصراعات داخلية أمام نظر العالم. إن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسؤولة عن نتائج حربها في أفغانستان ونتائج انسحابها منها وفشلها في تحقيق هدفها المعلن وهو القضاء على الإرهاب؟
ومن الواضح أن هذا الانسحاب بما يشكله من هزيمة وانكفاء فهو بالضرورة إعادة تموضع لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية وترتيب أولوياتها للتنافس مع روسيا والصين وما يترتب على ذلك من تمكين وسائل القوة وتحديد مسارات الصراع.
وهناك درس لا بد من الوقوف عنده في كل مناسبة تحضر فيها أمريكا وهو سرعة تخليها عن حلفائها في سبيل تحقيق مصالحها لعل الأكراد السوريون ممن يراهنون على الأمريكي وكذلك الأنظمة التي تسير بفلكه ترى العبرة من هذا الانسحاب وتعيد هي كذلك ترتيب أولوياتها قبل فوات الأوان.
عبد الله منيني
بقلم الأستاذ عبد الله منيني – أمين سر مؤتمر الأحزاب العربية
المصدر : موقع feneks