الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت
ا اخبار

الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت

Suzanne Loulou مارس 7, 2023

عاد مفهوم المركزية الأفريقية أو الأفروسنتريك ليطفو مجدداً على وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث بعد تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيد حول ضرورة حماية بلاده من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء.

وقبل مدة، ألغي عرض للممثل الكوميدي الأمريكي كيفين هارت، كان مقرراً في العاصمة المصرية القاهرة في 21 فبراير/ شباط 2023، بعد مزاعم بأنه يروج خلال جولته العالمية لفكرة المركزية الأفريقية.

فما هي المركزية الأفريقية؟

الأفروسنتريزم أو الأفروسنتريك Afrocentrism وتسمى أيضاً الحركة المركزية الأفريقية تأسست على يد الناشط الأمريكي أفريقي الأصل موليفي أسانتي في فترة الثمانينيات وفق الموسوعة البريطانية Britannica.

وأسهم العالم والمؤرّخ السنغالي أنتا ديوب في الترويج لفكرة المركزية الإفريقية، وألّف العديد من الكتب مدعياً أنّ منطقة شمال إفريقيا والتي تضم دول مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، هي “محتلّة حالياً من البيض”، وأنّ سكانها الأصليين كانوا من أصحاب البشرة السمراء ولكنّ أبيدوا قديماً.

فيما يعتبر الباحث والناشط الأمريكي من أصل إفريقي موليفي اشانتي، من أهم رواد ذلك الفكر وذلك لإسهاماته في الثمانينيات من القرن الماضي لصياغة مصطلح الأفروسنتريك وتعزيزه بإطار نظري وفكري لترويج الادعاءات التي تتبناها المنظمة، إضافة إلى عقد المؤتمرات والندوات الدورية للتشاور بين أعضاء المنظمة عالمياً.

 

الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت

 

بداية حركة المركزية الأفريقة “الأفروسنتريك” وادعاءاتها:

تشير الدراسات إلى أن أصل تلك الحركة يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، أسسها مثقفون أميركيون من أصول أفريقية (أفرو أميركان)، لتسليط الضوء على مساهمات الثقافات الأفريقية في تاريخ العالم، وهي قضية عادلة لكن في العقود اللاحقة انحرفت لتتخذ مساراً يعتدي على حضارات الآخرين وبخاصة في الشمال، لذا يعتبر كثيرون من العلماء أن نظرية “المركزية الأفريقية” هي بمثابة نسخة سوداء من “المركزية الأوروبية” البيضاء.

إذ يدعي أتباع تلك النظرية أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة أفريقية سوداء، وأن المصريين المعاصرين هم أحفاد المستعمرين الذين توالوا على مصر. كما يزعمون أن الحضارة الإغريقية في اليونان أسسها المصريون، وأن حضارة اليونان كانت النواة لحضارة الغرب ومن ثم فإن الحضارات حول العالم منشأها الأفارقة السود.

وتسعى هذه الحركة إلى “تسليط الضوء على هوية ومساهمات الثقافات الإفريقية في تاريخ العالم”. وتنشط في الولايات المتحدة وفي بعض الدول الأوروبية وبين الجماعات ذات الأصول الإفريقية.

 

الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت

 

المعتقدات:

تجادل الأفروسنتريزم أنه لقرون عديدة، هيمن الأوروبيون على الأفارقة وغيرهم، من خلال العبودية والاستعمار. ولهذا السبب، بحسب هذه النظرية، يحتاج المنحدرون من أصل أفريقي إلى تنمية تقديرهم لإنجازات الحضارات الأفريقية التقليدية، فهم بحاجة إلى التعبير عن تاريخهم ونظام القيم الخاص بهم.

وفقًا للأفروسنتريزم بدأ التاريخ والثقافة الأفريقية في مصر القديمة، التي كانت مهد الحضارة العالمية حتى سُرقت أفكارها وتقنياتها وحجب الأوروبيون سجلها الحافل بالإنجازات. ويرى مؤيديو هذه النظرية بأن الاهتمام المتجدد بهذه الثقافة يمكن أن يفيد الأمريكيين من أصل أفريقي بتذكيرهم بأن ثقافتهم الخاصة، التي قلل الأمريكيون من أصل أوروبي من قيمتها، لها تراث عريق وقديم.

 

“ادعاءات كاذبة”:

في كتابه “الأفروسينترية: الماضي الأسطوري والأوطان المُتخيَّلة”، فنّد ستيفن هاو أستاذ تاريخ وثقافات الاستعمار بجامعة بريستول البريطانية مزاعم جماعة الأفروسنتريك حول نسب الحضارة المصرية إلى العرق الأسود، قائلاً إنّها “تعتمد على حجج هاوية لا أصل لها تاريخياً”.

وأضاف هاو أنّه “على سبيل المثال يزعم أتباع فكر الأفروسنتريك أنّ إحدى ملكات مصر التي تُدعى تيي زوجة الملك أمنحتب الثالث لها ملامح إفريقية ولون بشرتها أسود، ليستدلوا بذلك على أنّ المصري القديم كان إفريقي أسود”. ويدحض هاو تلك الفكرة مؤكّداً أنّ ملوك الفراعنة كان من المباح لهم الزواج من أعراق أخرى، إذ تزوّج الملك رمسيس الثاني ابنة ملك الحيثيين بعد توقيع معاهدة سلام بينهما.

وتدّعي جماعة المركزية الإفريقية أنّ المصريين تعمّدوا كسر أنوف التماثيل الفرعونية حديثاً لإخفاء ملامح الأنف الإفريقي، غير أنّ المؤرّخين نقلوا عن مصادر تاريخية أنّ المصريين القدماء كان لديهم عادة كسر أنوف التماثيل لاعتقادهم أن التماثيل تتنفس.

وفي مقال قديم له أوضح وزير الدولة الأسبق لشؤون الآثار وعالم الآثار المصري زاهي حواس، أنّه ألقى محاضرات بولاية دالاس الأمريكية ليؤكّد أنّ “الحضارة الفرعونية بعيدة عن الأصل الزنجي والإفريقي”، مفيداً بأنّ “المصريين القدماء قد صوروا أنفسهم بأشكال مختلفة تماماً عن أىّ أفارقة أو زنوج”.

 

الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت

 

زاهي حواس “لا يوجد أي دليل على مزاعم حركة الأفروسنتريك”

من جهته علق د. زاهي حواس عالم الآثار المصري ووزير الآثار الأسبق على أن بعض الفنانين العالميين من أصول إفريقية ينسبون الحضارة المصرية القديمة لهم، وبالأخص مشاركتهم في بناء أهرامات الجيزة. “لا يوجد أي دليل على هذه المزاعم إطلاقاً” ويقول إن الأمر يختلط على أصحاب هذه النظرية، لعدم معرفتهم بالتاريخ.

وقال حواس في تصريحات تليفزيونية، ردا على التصريحات المتداولة على لسان كيفن هارت، والتي ينسب فيها نفسه للحضارة المصرية القديمة، إن “الأفارقة والكوش حكموا مصر في العصر المتأخر، في وقت الأسرة الـ 25، أي بعد بناء الأهرامات بـ20 عاما والأفارقة ليس لهم صلة ببناء الأهرامات إطلاقا من الناحية العلمية”.

 

الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت
د. زاهي حواس عالم الآثار المصري ووزير الآثار الأسبق

 

الرئيس التونسي قيس سعيد: “أوقفوا تدفق الأفارقة”:

في تونس أثار الرئيس قيس سعيد جدلاً واسعاً عند دعوته إلى وقف ما وصفه “بالترتيبات الجرمية” لتوطين المهاجرين الأفارقة في بلاده، قائلاً إن الهدف منها تغيير تركيبتها الديموغرافية كـ”دولة عربية وإسلامية”. وقد أدى حديث الرئيس التونسي، إلى موجة من ردود الفعل، فعلى المستوى الداخلي خرجت عدة مظاهرات للتنديد بتصريحات سعيد التي وصفت بأنها مناهضة للمهاجرين الأفارقة، وأنها تحتوي على تلميحات عنصرية.

ودولياً أدان الاتحاد الإفريقي في بيان له، ما جاء في حديث قيس سعيد بشأن المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء ودعا دوله الأعضاء إلى الامتناع عن أي “خطاب كراهية له طابع عنصري قد يلحق الأذى بأشخاص”. إلا أن سعيد حاول طمأنة المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء المقيمين في تونس بشكل قانوني، وذلك رداً على الجدل الذي أثارته تصريحاته، واعتبرها حقوقيون أنها تنطوي على “عنصرية وكراهية”.

 

الأفروسنتريك ما بين تصريحات قيس سعيد وإلغاء حفل كيفين هارت
الرئيس التونسي قيس سعيد

 

“تحول اجتماعي”:

في المغرب ظهرت دعوات عنصرية ضد المهاجرين الأفارقة المنحدرين من دول جنوب الصحراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منها ما يدعو إلى عدم الزواج بالمهاجرين ومنها ما يدعو إلى ترحيلهم. ويقول عادل تشيكيطو رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إن ذلك تحول مفاجئ لا يتناسب مع التعامل التاريخي للمغاربة مع المهاجرين الأفارقة”.

وأضاف تشيكيطو أن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تتابع هذا التحول الاجتماعي وتقوم بمبادرات لمواجهته، أولا لأنه غريب عن الثقافة والتقاليد المغربية، وثانيا لأنه يعُد تهديداً للقيم الإنسانية، بحسب تعبيره.

شارك هذه المقالة

تم النسخ

https://alaanplus.com/الأفروسنتريك-ما-بين-تصريحات-قيس-سعيد-و

انسخ الرابط

SL Suzanne Loulou

كاتبة وصانعة محتوى ومترجمة، حاصلة على بكالوريوس في علوم الإدارة تخصص موارد بشرية، شغوفة بنقل الأفكار والمعرفة والأخبار حول العالم بأسلوب شيق وجذاب.

اقرأ ايضا